يقول الشاعر : يداوى فساد اللحم بالملح .. فكيف نداوي الملح إن فسد الملح

يقول الشاعر : يداوى فساد اللحم بالملح ..  فكيف نداوي الملح إن فسد الملح



 يقول الشاعر : يداوى فساد اللحم بالملح ..
فكيف نداوي الملح إن فسد الملح


تزوج بدوي فتاة من قبيلته ذات حسن وأدب وأخلاق ودين ومضى عام على زواجه ، ونشبت بينه وبين أحد أبناء عمومته مشاجرة كبيرة ، فقتله ، ورحل مع زوجته بعيداً عن القرية كما تقتضيه الأعراف القبلية ، وتوجه الى ديار قبيله ثانيه ، وكان صاحبنا دائم الجلوس عند الشيخ في مجلسه مثله مثل رجال القبيلة للسمر وتدارس مختلف الأمور وفي احد الايام مر الشيخ من أمام بيت صاحبنا، وشاهد زوجته فسُحِر بجمالها ، واستولت على لبه وعقله ، وخطرت له فكره شيطانيه ، وهي أن يبعد الزوج عن البيت ، لينفرد بالزوجة ، ويقضي منها وطرا ً .


فعاد إلى مجلسه ، وكان عامرا ً بالرجال ومن بينهم صاحبنا، فقال : ربعي ! 

علمت أن الديرة الفلانيه فيها ربيع ما مثله ! وأريد أن أرسل إليها أربعة رجال يرودونها، ويتأكدون من الربيع فيها ، واختار أربعة من الرجال ومن بينهم زوج المرأه الجميلة . 


فسار الأربعة بكل طيب خاطر ، والمكان الذي ذكره يستغرق ثلاث أيام ذهاب الفرسان وإيابهم ، وعندما أرخى الليل سدوله وانتظر إلى أن تنام الناس ، سار إلى بيت جيرانه حيث لم يكن فيه سوى المرأه وحيده ، وكانت نائمة ، وقبل أن يصل ارتطم في العامود وأحدث صوتاً مرعبا ً لها ، أفاقت المرأه على الصوت .

صاحت : من بالبيت ؟!

الشيخ : أنا فلان شيخ العرب إللي أنتم نازلين عنده !

البدوية : حياك الله ! وماذا تريد يا شيخ العرب في مثل هذا الوقت ؟!


الشيخ أذهلني جمالك عندما رأيتك، وسلبت عقلي وقلبي مني ، وأريد قربك ووصالك !

البدوية : لا مانع عندي ! بشرط ، عندي لغز، إذا حليته أكون لك كما تريد !


الشيخ : أشرطي وتشرَّطي ، وجميع شروطك مُجابة !

البدوية : حتى لا يجيف اللحم ( أي يتحول إلى جيفة ) يرشون عليه الملح ! 

فمن يُصلِحُ الملحَ إذا الملحُ فسد ؟! 

ولك أن تستعين بمن تريد .


فإذا جئتني بالحل صرت لك كما تريد !

الشيخ : أنصفتِ ، وسآتيك بالحل في الليلة القادمة !

ذهب الشيخ الى بيته بخفي حنين ،وأمضى ليله يفكر بحل اللغز ولم يصل إلى نتيجة ، وثاني يوم وكانوا الرجال جالسين في مجلسه .


سأل الشيخ الجالسين وبصورة مفاجأة : حتى لا يجيف اللحم يرشون عليه الملح ! من يُصلِحُ الملحَ إذا الملحُ فسد ؟!

وكل من رد من الحضور كان رده على قدر فهمه وعلمه ، فلم يقتنع الشيخ برأي واحد منهم ، وكان أحد الرجال المحنكين الدهاة أصحاب الفطنة والحكمة والعلم والأدب والدين موجودا ً في المجلس ، لكنه لم يقل شيئا ، وانصرف جميع من في المجلس 

إلا هو لم ينصرف ، فقد بقي في المجلس .

فصاح الشيخ في وجهه : أنت ما جاوبت على سؤالي !


قال له الرجل : أردت أن أكلمك على إنفراد ! فأصل اللغز بيت من الشعر قاله أبو سفيان الثوري ،والبيت هو : 


يا رجال العلم يا ملح البلد 

              من يُصلِحُ الملحَ إذا الملحُ فسد ؟!


وإن لم يخب ظني فإنك ٌ راودت امرأة عالية المقام في الذكاء والعلم والدين والأدب عن نفسها ، فأرادت أن تصدك ولا تفضحك ، وأن تكسبك كأخ لها ولا تخسرك وتزيد إلى أعدائها أعداء أهلها عدوا بحجمك ومقامك ، وتحفظ بعلها إن غاب وإن حضر ، وقد قالت لك ما قالت ، وكأنها تريد أن تقول لك ولمن سمعك :


يا رجال العُرب يا ملح البلد 

              من يُصلِحُ الملحَ إذا الملحُ فسد ؟!


فهي تقصد : إن الرجل من القبيلة إذا فسد أصلحه شيخ القبيلة كما يصلح الملحُ اللحم! فمن يصلح الشيخ إذا الشيخ فسد ؟!


وكأن هذه الإجابه أيقظت ضميره النائم ، وقلبه الهائم ، وعقله الظالم ، وأصابه الخجل الشديد من فعلته الشنعاء ، وملأه الندم على ما كان منه المكائد والمفاسد !

وقال : أصبت كبد الحقيقة أيها المبجل ! فاستر عليَّ زلتي سترك الله في الدنيا والآخرة !


يقول الشاعر : يداوى فساد اللحم بالملح ..

فكيف نداوي الملح إن فسد الملح..


وأنا أقول: 

من يصلح الولد إذا رب البيت فسد 

من يصلح الرعية إذا الراعي فسد 

من يصلح الجيل إذا المعلم فسد 

من يصلح الناس إذا الحاكم فسد ؟؟


( جالس الحكماء ولا تجالس السفهاء فإن الحكماء عظماء ).

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كيد_النساء

قصّة مصريّة حقيقة