رسالة من عروس تعيش في ربع خيمة"

 

رسالة من عروس تعيش في ربع خيمة"


"رسالة من عروس تعيش في ربع خيمة"   


 _أعرف أنّه لا يحقّ لي مثلما يحقّ لكم أن أحبّ أو أُخطب أو أتزوّج ..  لقد كان موقفا مضحكا عندما قال أبي لعريسي تزوّجا ولِمَ التّأخير .. أريد أن أطمئنّ على ابنتي قبل أن أموت ..  

فقد كان كلّ منّا يفكّر في نفسه .. يا ترى من سيوّدع أوّلا ..  

إذ تختلف هنا قوانين الحياة المعتادة ..  


هنا لا نعيش كما تعيشون -إن كان يصحّ أن يقال أنّه عيش-  فالعيش الّذي يعني الخبز قد لا يتوفّر ..  الخبز يكون في بيت .. وهنا لا بيت ولا فرن ولا حائط للمبكى .. 


  _تذكّرتُ كلمات أبي "أريد أن أطمئنّ عليّها" وأنا أسمع تمتمات النّساء من خلف قماش الخيمة "مسكينة لقد أصبحتْ أرملة" ..   


- نظرتُ إلى ملابسي الملوّنة .. هل يصلح هذا المعطف للحزن على زوجي وقضاء العدّة .. أحمر وأخضر وبنفسجيّ مع ورديّ .. ولكن هذا ما جاءني من المساعدات وليس لديّ غيره ..  هل أخلعه وألبس عباءتي السّوداء الصيفيّة .. وأتجمّد من البرد أنا أيضا ..  حاولتُ أن ألبس العباءة فوقه .. لكن لم أتمكّن كونه ضخم وكبير عليّ ..يبدو أنّني قد فقدت كثيرا من وزني بعد وفاة زوجي وابني ..   


الحمدلله لم أعد أجوع كما في السّابق .. لم أعد أحلم بطبق من ورق العنب .. لن يعاودني شعور بالذّنب كما كان يحصل عندما يؤثرني والدي بطعامه وأنا حامل    يكفيني الآن أن أنظر إلى أبي وحزنه ودموعه .. كي أفقد شهيّتي للطعام ..  أن أنظر إلى تلك المدفأة التي فرحنا بها .. فكانت سببا في موت زوجي ..  كان يقول لي .. أنا شابّ أتحمّل الرّائحة وهو يضع أكياس النّايلون والبلاستيك والقمامة ليضرم النّار ..   


أتذكّر كيف كان يُبعد أبي .. ويخشى عليه .. ويبعدني وأنا في شهوري الأخيرة .. كي لا نستنشق تلك الرّوائح الضارّة .. أكره هذه المدفأة الّتي أصبحت باردة .. طوال النّهار أشيح بنظري عنها .. وأمّا في الّليل فهي تتراءى لي شبحا .. يريد أن ينقضّ على رقبتي وهو يضحك فرحا .. نعم فصوت الرّياح يخرج من تلك المداخن الصّدئة مزمجرا كأصوات جنّ في حفلة ..    


 _لا أدري من سيقرأ رسالتي هذه .. لكنّني أتمنّى منه أن يخبر الجميع أنّهم على حقّ .. ما كان يجب عليّ أن أعيش كما يعيش بقيّة الخلق ..  فأنا حتّى عندما جلبوا لي هاتفا ذكيّا .. وكهرباء بواسطة الطّاقة الشّمسيّة .. وفتحت وسائل التّواصل مستبشرة .. بمن يحسّ بنا .. وجدت الجميع يكتبون ..  لماذا يتزوّج هؤلاء ؟! ولماذا ينجبون الأطفال ؟! وهم في الخيام !!  حرام عليهم ..  وكثير منهم يقترح أن يتبرّعوا لنا  "بأدوية لمنع الحمل"  


فعلا .. أنتم على حقّ ..   أتدرون .. اضحكوا قليلا .. بل اضحكوا كثيرا ..  عندما خُطبت .. وسأله والدي متى العرس .. قال ربّما بعد سنتين كي أكوّن نفسي وأهيّأ البيت وأشتري العفش ..  ضحكنا كثيرا يومها .. ونحن نمزح عن قيمة المهر .. ووليمة العرس ..   


_ وكذا في الحمل -نعيش ببساطة- ونحوّل الأمر إلى فكاهة .. ونحن نقول ليتنا نعرف هل هو صبيّ أم بنت .. كي نشتري الملابس على بيّنة ونختار الّلون !!  


 _اضحكوا ..    فقد كنتُ ساذجة .. عندما فكّرتُ وفكّر والدي أنّه من حقنا أن نعيش مثلكم  .. وننجب الأطفال!!   نعم .. 


فقد كانت لحظة مؤلمة إلى أقصى درجة .. إلى درجة أعجز عن وصفها .. عندما صحوتُ لأجد ابني الّذي ضممته على صدري وأنا نائمة .. الّذي وضعتُه بجانب قلبي كي يدفأ بدمي .. وقد أصبح أزرق الّلون  باردا صامتا .. لا أدري هل كانت دمائي باردة فلم تحميه .. أم أنّه آثر الّلحاق بأبيه ..    


أيّ كلمات تصف حالي وهم ينتزعون صغيري من يدّي ليضعونه في كرتونة ثم يرصّون بجانبه بقيّة الرّضع .. وكأنّهم بضاعة لا أرواح تُزهق ..   لتُصبح زاوية المخيّم .. ثلّاجة للموتى ..  يستلقي الجميع هناك  .. ينتظرون صامتين أن تهدأ العاصفة.. كي يواروا في قبورهم ويرتاحوا من هذه الدّنيا الفانية ...   بعد يومين ...  


عندما خفّت العاصفة وحان وقت الدّفن  خرجتُ أتلمّس طفلي .. أعانقه وأشمّه رغم أنّه قد تجمّد .. 

أذرف الدّموع الحارّة فوقه علّها تدفئ هذا الجسد ..  ومعي صويحبات يتلمّسن فلذة أكبادهنّ مثلي .. في وداع أخير ..   

والرّجال قريب منّا .. يزيلون أكواما من الجليد قبل أن يصلوا لباطن الأرض .. 


في هذا الموقف المهيب .. سمعت أحدهم يسرّ لأخيه في أذنه ..  (أليس النّاس تقول "الحيّ أبقى من الميّت" فلعلّك تعطيني معطف أحمد بدل أن تستخدمه كفنا وتدفنه به فأولادي يرتجفون من البرد في الّليل)   


 _إلى من تصله رسالتي ..  أعدكم لن أتزوّج مجددا .. ولن أنجب أطفالا .. لكنّني أتمنّى أن لا أُدفن بمعطفي .. فليتكم تُرسلون لنا معاول للحفر وأكفاناً


#أروى_العظم

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

يقول الشاعر : يداوى فساد اللحم بالملح .. فكيف نداوي الملح إن فسد الملح

كيد_النساء

قصّة مصريّة حقيقة