من أحجيات الزمن الجميل قصة ومثل: «النية تغلب الحيلة»
من أحجيات الزمن الجميل
قصة ومثل: «النية تغلب الحيلة»
لهذا المثل قصة سمعتها من والدي رحمه الله. وهي قصة تتناول الجانب السيء والحسن في النفس البشرية، وتجلي عاقبة المكر السيء على صاحبه، وتريك كيف يمكن للسحر أن ينقلب على الساحر بقدرة مدبر حكيم. فكم من شخص أودى به مكره السيء إلى حتفه، وكم من شخص سليم القلب، نقي السريرة، نجا من أنياب الموت. على أن النية المقصودة هنا، ليست تلك النية المشوبة بالغفلة، والتي غالبا ما تكون وراء ضياع الحقوق، كما أن الحيلة أيضا لا تعني الدهاء المحمود في الإنسان، وإنما تعني الغش والخبث والخداع والغدر، وكل أصناف الشر التي يمكن للنفس المريضة أن تضمرها، رغبة في في أن ترى الشر يلحق بالآخر، حتى ولو كان هذا الآخر من أقرب الناس إليها.
يحكى أن النية قررت زيارة أحد أسواق البلد البعيدة، فلم تجد غير جارتها الحيلة لتعرض عليها الأمر، علها تصحبها في هذا السفر. وافقت الحيلة على العرض، وقبت الدعوة، وأبدت حماسا كبيرا لهذه الرحلة. فاتفقتا معا، وحملت كل منهما من الزاد ما يكفي لرحلة قد تستغرق أسبواعا أو أكثر. فالمسافة بين القرية والسوق بعيدة جدا، والطريق ليست آمنة. لذلك لم تخطئ النية حين قررت اصطحاب جارتها الحيلة معها، من باب تحقيق الأنس من جهة، وتحصيل ما يمكن تحصيله من ربح في السوق الجديدة من جهة أخرى، لا سيما وأن النية قد سمعت عن هذه السوق ما أغراها بالزيارة. ولأن النية طيبة، تحب الخير للآخرين كما تحبه لنفسها، قررت أن تشرك جارتها في هذه الصفقة المربحة.
كان الاتفاق بين النية الطيبة والحيلة، أن يكون زاد النية أول ما يشرعان به في هذه الرحلة، حتى إذا نفد، انتقلتا إلى طعام الحيلة لمواصلة الطريق، وما زال الأمر كذلك، والحيلة في كل مرة تأكل الطعام خلسة بعد أن تنام النية حتى نفد. دون أن تعلم هذه الأخيرة أنها ضحية غش. فلما جاء دور الحيلة في بسط زادها أمام النية، شعرت بالتوتر والغضب. لم تكن راضية عن هذه الشراكة، رغم أنها استاثرت بأكبر نصيب منها، وإن بطرق ملتوية. كانت الحيلة ترى في النية الطيبة عبئا ثقيلا في ما تبقى من مسافة، لذلك قررت أن تتخلص منها، وتنفرد بما تبقى من زاد يعينها على الوصول، لا سيما وأن المسافة بين مكانهما والسوق لم تعد بعيدة. كان ذلك واضحا من خلال آثار العربات وحوافر الدواب على الطريق.
بعد أن قررت الحيلة التخلص من جارتها النية، فكرت في أنجع طريقة يمكن أن تحقق غايتها دون أن تشعر أو تحس النية بذلك، فتنجو وتفشل الخطة. لقد كانت الحيلة تضمر الشر لجارتها المسكينة، في الوقت الذي كانت النية تتنمنى لها الخير. لم تكن الحيلة تفكر إلا في نفسها، غير آبهة بما يمكن أن يحصل لأبناء جارتها، إن هي ماتت ولم تعد إليهم. لقد ملأ الشر نفسها، حتى ما عادت تفرق بين الصواب والخطأ. ولأنها خبيثة، قررت أن تقتل جارتها أبشع قتلة.
يبدو أنه لم يعد يفصلنا عن السوق سوى ليلة واحدة جارتي الحيلة. تقول النية وقلبها متشوق لدخول السوق. فتجيبها الحيلة بقولها نعم أختي النية. كانت الحيلة تدرك تماما أنه لم يعد يفصلهما عن مكان السوق سوى هذه الليلة فقط، لذلك أصرت على الحيلة أن يتوقفا للاستراحة قليلا، بعد أن أوكلت إليها مهمة اختيار المكان المناسب للنوم. وبما أن الحيلة كانت تتربص بالنية، وتنتظر اللحظة المناسبة للقضاء عليها، فلن تجد أفضل من هذه الفرصة، لا سيما وأن النية كانت متعبة جدا وفي مسيس الحاجة إلى الراحة والنوم.
هكذا كانت تفكر الحيلة وهي تبحث عن المكان المناسب لقضاء ليلتهما. وبحكم أنها خبيرة بمسالك الطرق، وماهرة في اقتفاء الأثر، استطاعت أن تميز الطريق الذي يسلكه فلاحو الدواوير المجاورة بعرباتهم ودوابهم إلى السوق، من الطريق الذي يسلكه المشاة ساعة اكتظاظ الطريق بالعربات (لمريرة). فاختارته عمدا بعد أن أتلفت كل أثر، ثم نادت على النية كي تخلد للنوم بجانبها. حتى إذا ما تاكدت الحيلة من نوم النية، قامت إلى حاشية الطريق، حيث المكان لا يتسع إلا لمرور نفر واحد، ثم نامت. تاركة جارتها النية عرضة لحوافر الخيل وعجلات العربات. لكن( ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين). فقد شاء الله أن تجمح وتجفل خيول العربات التي كانت في طريقها إلى السوق، بعد أن وصلت إلى مكان نوم النية، لتنتقل إلى الجانب الاخر من الطريق، حيث كانت تنام الحيلة، فتدعسها دون أدنى رحمة أو شفقة.
بقلمي.
تعليقات
إرسال تعليق