كلّ البشر كاذبون...... هو عنوان رواية للأديب الأرجنتيني البرتو مانغويل
كلّ البشر كاذبون......
هو عنوان رواية للأديب الأرجنتيني البرتو مانغويل
،وقع بين يدي قبل أكثر من سنة فلم أعرها إنتباها لأنني ظننت في حينها أنّ العنوان فيه إجحافاً ،لا بل تجنّياً أو على الأقل مبالغة ،حيث لا يمكن التعميم في أمر كهذا... فالكذب أمر فيه من البشاعة ما يثير الإشمئزاز بحسب طبيعة الموقف الذي وضع فيه ...
ولا أدري ...لم قفز هذا العنوان إلى ذاكرتي المكتظّة بخليط من أمور تكاد تتشابك فيها معطيات المعقول واللامعقول في تمازج ليس بالهيّن .وأتساءل ربمّا يكون المؤلف صادقاً بطريقة
أو بأخرى مع أننّي لم أقرأ الكتاب بعد (وإن كنت أنوي ذلك)
،ليس من باب الفضول ولكن ربّما لأنّني أردت الإطلاع على جوانب لا أعلم عنها من باب الإفادة والإستفادة....أو كليهما.
فنحن بني البشر قد نختلف في مسألة ما اختلافاً كليّاً أو جزئياً لأنّ كلّ منّا يراها من زاويته،ويحكم عليها بحسب قناعته ،وسيكولوجيّته وطريقة فهمه لها...وهنا لا يمكننا أن نتّهمه بالكذب لانّه لم يكذب وإن اختلفنا معه ...حتى في الأمور الجليّة يمكن أن نختلف فالجوارح تختلف في تعاطيها للمعطيات من شخص لآخر سواء كان ذلك من خلال حاسة البصر...أو..السّمع....أو الشّم.....أو اللّمس ...أو الشعور....فأنت لا تكذب إذا قلت أنّ هذا المنظر جميل وغيرك لا يراه كذالك
،فهذا رأيه ،والأمر ذاته بالنسبة للأصوات ،والرّوائح
،واالأذواق ،وغيرها...
فقد يكذب البعض وهو لا يدرك أنّه يكذب ويستمر في كذبه وفي قناعته أنّه على صواب ....
وقد يكذب البعض وهو يعرف أنّه يكذب وفي ظنّه أنّ مصلحته تقتضي ذلك فهو مقتنع بكذبه....
وقد يكذب البعض وهو يقصد أن يكذب ولا يرى في ذلك حرج بل وتراه يبدع في ذلك ويتفاخر.....
ومع أنّ الكذب صفة غير محمودة بإجماع الكتب السّماويّة
،والتّربويّة لما قد ينجم عليه من ضرر نفسي وأخلاقي ومادّي وغير ذلك إلا أنّ أخطر أنواع الكذب هو كذب الإنسان على نفسه فهذا كذب مبطّن قد يؤدي إلى تدمير الذّات ،وجعلها ذاتاً مهزوزة ،تبتلع آلامها مثل الإسفنجة ،حتى إذا ما وصلت حدّ التّشّبع راحت ترشح بالألم من كلّ أطرافها....
فنحن نكذب على أنفسنا هرباً من ضمير يؤنّبنا ،أو تجنّياً لموقف لا نريد أن نخوض فيه ، وقد نكذب على أنفسنا لإقناعها أنّ كلّ الأمور بخير فلا يتسلل اليأس إليها ،وقد يأخذنا الكبر فنكذب عليها، وقد تأخذنا العزّة بالنّفس فنكذب عليها ...وقد تصدمنا الخيبات فنلبس أقنعة كاذبة نخفي وراءها عجزنا...وبؤسنا ...وإنكسارنا....وقلّة حيلتنا...
فنحن نكذب لنخفي مشاعر غضب...أو حبّ...أو خوف...أو غيرها....
ولا يقتصر الكذب على الأفراد فالكذب هو كذب دول على شعوبها أو على دول اخرى ...وكذب أشخاص على بعضهم البعض... وكذب أشخاص على أنفسهم...
ويبقى الكذب آفة بكلّ المعاير ولا تبرير له.....
أحلم بعالمٍ خالٍ من النّفاق والكذب...عالم لا يحكمه الخوف
...ولا الجشع....ولا الإستبداد.....عالم تحكمه الفطرة السّليمة....
هو ضرب من محال ولكنّه يبقى حلماً ....يبقى أملاً..
تعليقات
إرسال تعليق