حكاية من الضيعة السليقة







حكاية من الضيعة 

                    السليقة 

كانت الشمس على مشارف الصباح وقد أوفدت طلائع أنوارها من خلف التلال حمرة تصبغ الأفق البعيد عندما أستيقظت على جلبة في غرفة المؤونة المجاورة لغرفة المعيشة في بيت جدي ..

هذا جدي يحمل على كتفه كيساً من القمح وتلك جدتي تساعده بسند الكيس كي لاينزلق عن ظهره وفي الخارج عمي يوقد ناراً تحت حلة كبيرة وفي زاويةٍ تحت شجرة الكينا الكبيرة مجموعة من الجيران يتبادلون الضحكات وأطراف الحديث متحلقين حول جذع سنديانة مقطوعة تعلوه كاسات المتة وإبريق ماء ساخن وكيس دخان لجدي تهافتت عليه أيدي الموجودين منتهزين إنشغال جدي بالتحضير للسليقة ليغلظلوا بلف سجائرهم وهم المعتادون على أن تكون سجائرهم رفيعة كأعواد الثقاب ..

لن أطيل الحديث ولن أغوص في التفاصيل ولن أُلبس كلماتي رداء الغموض ..

بدأت المياه تغلي لتبدأ معها حبات القمح رقصاتها وكأنها تنشد الخلاص من هول تلك النار المتقدة التي كلما هدأت قليلاً قام جدي بإذكاء شعلتها مجدداً ببعض الجذوع الجافة ليضمن إستمرار جذوتها وسعيرها دون أن يعير إنتباهاً لتورم تلك الحبات وإنتفاخها بل على العكس من ذلك كان يحركها بمغرفة كبيرة ينزل من هي على السطح للقعر ويرفع من في القعر للأعلى وكأنه ينشد لها العدالة ووحدة القصاص والمصير ليقوم بعد ذلك برمي بعض أكواز الذرة في الحِلة لتلقى مصير أخواتها من حبوب القمح ويدس بعضاً منها في جمرات النار مستمتعاً بأصوات أنفجار حباتها وتقيأ مكنوناتها .

لم يمض وقت طويل حتى تجمع معظم أولاد القرية في هذا الركن وكل منهم يحمل صحناً أو كوباً منتظراً جدي ليملأها له بالسليقة ،

لم أعرف ماذا عليَّ أن أفعل هل أجالس الكبار وأشرب معهم المتة لأخفي كيس الدخان عن أعينهم وأحمي ممتلكات جدي أم أنتظر أكواز الذرة لأخذ نصيبي من المشوي والمسلوق قبل أن ينتقوا مايحلو لهم أم آخذ صحناً كبيراً من السليقة لأرش عليها الملح أم أراقب الأولاد لأرى من ملىء صحنه مرتين فأشكوه لجدي .

لم أفعل شيئاً ولكني قررت أن أقف بالقرب من جدي ليشعر بوجودي ...


( إذا كان هناك أخطاء إملائية أرجو من أصحاب الخبرة تنبيهي )

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

يقول الشاعر : يداوى فساد اللحم بالملح .. فكيف نداوي الملح إن فسد الملح

هاظا أني معاه إن هج بهج , وإن حج بحج . الجمل والحصيني قصة طريفة تحاكي الواقع

حج أم هج ؟ حكاية طريفة جدااا