ثعلب الصحراء ومونتغمري: مواجهة العلمين
ثعلب الصحراء ومونتغمري: مواجهة العلمين
تحت سماء الصحراء المصرية المتربة، في خريف 1942، على بُعد 90 كيلومترًا من الإسكندرية، اشتعلت نار معركة العلمين الثانية، ملحمة خالدة غيّرت مسار الحرب العالمية الثانية. كانت المواجهة بين عقل برنارد مونتغمري، القائد البريطاني الحازم، وخبث إرفين رومل، "ثعلب الصحراء" الألماني الماكر. في تلك الرمال الحارقة، كتب التاريخ فصلًا جديدًا للنصر.
كانت قوات المحور، خليط من الألمان والإيطاليين، تجتاح شمال إفريقيا كالعاصفة، تهدد قناة السويس، قلب الإمبراطورية البريطانية. لكن بحلول صيف 1942، بدأت عجلات جيش رومل تتوقف. سفينة نفط إيطالية غارقة في أعماق البحر المتوسط جعلت دباباته أشبه بتماثيل صدئة، عالقة بلا وقود. على الجانب الآخر، كان مونتغمري يُحيك خطته بعناية. من ميناء الإسكندرية القريب، تدفقت الإمدادات، وتأججت روح الجيش الثامن البريطاني، جاهزًا لضربة تُطيح بالمحور.
موازين القوى:
وقف الحلفاء بـ195,000 جندي، دروعهم 1,029 دبابة، مدافعهم 2,311، وسلاحهم الجوي 750 طائرة. أما المحور، فكانوا 104,000 جندي فقط، مع 489 دبابة، 1,219 مدفعًا، و675 طائرة. خطوط إمداد المحور كانت كابوسًا: طبرق على بُعد 590 كم، بنغازي على بُعد 1,050 كم، وطرابلس أبعد من الأحلام. بينما كانت الإسكندرية، على بُعد 110 كم فقط، تُغذي الحلفاء كالنهر المتدفق.
الخدعة: شبح في الرمال
في صحراء مكشوفة لا تستر أسرارًا، نسج مونتغمري خدعة عبقرية. في الجنوب، أقام جيشًا وهميًا من دبابات ومدافع خشبية، كأنها استعداد لهجوم عظيم عند منخفض القطارة. رومل، المخدوع، ركّز قواته هناك، بينما كان الهجوم الحقيقي يُعد في الشمال، مختبئًا تحت ستار الخفاء.
المعركة: نار الصحراء
في ليلة 23 أكتوبر 1942، دوّت الصحراء بقصف مدفعي كالرعد، أشعل شرارة المعركة. زحفت قوات الحلفاء، لكن حقول الألغام ونيران المحور أبطأت خطواتهم. في اليوم التالي، هزّ المحور خبر صادم: القائد المؤقت فون شتومه سقط ميتًا بنوبة قلبية، فتولى ريتر فون توما زمام الأمور.
بحلول 26 أكتوبر، عاد رومل من ألمانيا، ليجد جبهته تتداعى كقلعة رملية. حاول الصمود، لكن قواته كانت تذوب تحت ضربات الحلفاء المتواصلة. في 30 أكتوبر، هاجمت الفرقة الأسترالية التاسعة كالصاعقة، عازلة وحدة ألمانية، مما أجبر رومل على رمي قواته في معركة خاسرة لفك الحصار.
في ليلة 1 نوفمبر، أطلق مونتغمري سهمه الأخير عبر تل العقاقير. كانت ضربة مدمرة. تحطمت دبابات المحور، وتهاوت خطوطهم كأوراق الخريف. رومل، المحاصر بأوامر هتلر بالقتال حتى الموت، رأى النهاية تقترب. في 4 نوفمبر، أمر بالانسحاب إلى فوكة، تاركًا وراءه جيشًا مكسورًا وحلمًا محطمًا.
الخسائر: دماء الرمال
دفع الحلفاء ثمنًا باهظًا: 13,000 جندي، 250 دبابة مدمرة، 250 دبابة معطوبة، 500 مدفع، و250 طائرة. لكن المحور عانى أكثر: 15,000 جندي، 30,000 أسير، 450 دبابة، 800 مدفع، و400 طائرة. كانت الصحراء شاهدة على نصرٍ لم يأتِ بسهولة.
النهاية:
لم تكن العلمين نهاية المحور، لكنها كانت بداية زوالهم. طارد الحلفاء فلول رومل عبر الصحراء، من فوكة إلى تونس، حيث انتهى وجود المحور في إفريقيا بحلول مايو 1943. وقف تشرشل ليعلن بفخر: "قبل العلمين، كنا نكافح للبقاء. بعدها، بدأنا ننتصر." وصفها بأنها "نهاية البداية".
منقول.
تعليقات
إرسال تعليق