الفقراء يموتون مبكرًا في مصر....22 زهرة ضحية حادث الميكروباص ...في طريقهن للعمل بمزارع العنب ...

 



‏الفقراء يموتون مبكرًا في مصر


‏كانت شيماء تحلم بأن "تشرف" أسرتها الفقيرة، وأن تكافئهم على شقاهم معها طوال 17 سنة رغم فقرهم، فحاربت حتى تتفوق في الثانوية العامة، لتدخل إحدى كليات "القمة"، وبالفعل حصلت شيماء على مجموع كبير أهَّلها لدخول كلية الهندسة، فتفتحت أبواب الأمل، واقترب الحلم من التحقق، كانت نفقات الدراسة في الجامعة وفي كلية الهندسة ثقيلة على الأسرة الفقيرة، فقررت الصبية أن تعمل "باليومية" في إحدى المزارع لكي تجمع بعض المال القليل الذي يخفف العبء عن أسرتها ويساعدها على تغطية نفقات تعليمها، خرجت شيماء مع أول ضوء للنهار، ليشحنها سائق ميكروباص لا يحمل أي شرط من شروط السلامة والأمان، حشرها مع 22 صبية مثلها، رغم أن الحمولة "القانونية" إذا كان هناك قانون في مصر، هي نصف هذا العدد.


‏كان معها صديقتها "رويدا" التي تمت خطوبتها، وتعيش فرحة البنات الصغيرات، يقترب عرسها بعد أيام، ولا تملك أسرتها الفقيرة مالا يغطي نفقات جهازها، أو حصتها في الجهاز، فدخل الأب أساسا لا يكفي الطعام والشراء فكيف سيساعد على الادخار؟، والأم تخشى أن تشتري جهاز ابنتها بالدين فينتهي الحال بها إلى السجن كما حدث مع آلاف الأمهات الفقراء، فخرجت رويدا لتعمل مع الصبايا في إحدى المزارع مقابل أجر يومي 120 جنيها مصريا (الدولار الواحد يساوي 50 جنيها)، رغم أنهن يرجعن مع آخر ضوء للنهار منهكات محطمات من فرط الجهد المبذول، لكن أحلامهن الصغيرة كانت تداوي ألم التعب والهوان.


‏الطريق التي أنشأها الوزير العسكري الفاشل الفاسد قبل سنوات قليلة، ظهرت به عيوب ومشكلات، لا أحد يحاسب أحدا، فعهد لشركة تابعة للجيش بإصلاحه، الإصلاح تسبب في ضيق الطريق في مواقع عدة، مع غياب الإشارات المرورية الضرورية، مع غياب شرطة المرور بالأساس، لأنها مشغولة بالإتاوات والغرامات وليس بحماية أرواح الناس، فكان أن اصطدم ميكروباص الصبايا بسيارة نقل كبيرة، سحقتها سحقا، وتحولت أجساد الصبايا إلى أشلاء ممزقة، توقف فجأة الغناء الذي يسلين به أنفسهن أثناء الرحلة، وانفجرت الصرخة الأخيرة، صرخة الموت.


‏شيماء لن تتخرج من كلية الهندسة، ماتت شيماء، ومات معها حلمها الجميل، ورويدا لن تشهد عرسها، انطفأت أنوار فرحتها مبكرا جدا، و16 صبية أخرى معهن ماتت أحلامهن كلها في لحظة، وعادت الأجساد الغضة الصغيرة ل 18 فتاة، إلى الآباء والأمهات ملفوفة في الأكفان البيضاء المخيفة، في موكب جنائزي يقطع نياط القلوب.


‏شروق ، وجنى، وتقى ، وهدير، وإسراء، ورويدا ، وضحى ، وسمر ، وسارة ، وهنا ، وميادة، ومروة ،وآية ،وأسماء ، وشيماء، ضحايا الفقر والفساد والفوضى والبلد الظالم، طوي سجلهم أمس في جداول الرقم القومي للمصريين، بينما الوزراء المسؤولون عن رعايتهم وخدمتهم وحمايتهم وتأمينهم، ينعمون ـ في تلك اللحظة ـ بنسمات البحر العليلة هم وأسرهم في منتجعاتهم المجانية على ساحل "العلمين" الجديدة، حيث خصص السيسي لكل منهم فيلا حديثة فارهة، يقضي فيها أشهر الصيف الثلاثة ، إيجارها اليومي 40 ألف جنيه، إضافة إلى مصاريف الخدم والحشم وسيارات الخدمة والتنقلات والحماية الأمنية، تتحملها كلها شيماء وآية والصبايا الفقراء ال 18 الضحايا، ضمن ملايين الفقراء المصريين الذين يتحملون فاتورة رفاهية السادة الوزراء، لأنه من الصعب على معالي الوزير ورئيس الوزراء أن يداوم ويرعى شؤون المواطنين وهو في مكتبه بالعاصمة الإدارية الفاخرة الجديدة، رغم كل الترف الذي جهزت به.


‏لم يكن حادث قرية "كفر السنابسة" بمحافظة المنوفية، هو الوحيد، ولا الأول في السنوات الأخيرة في مصر، ولا أظن أنه سيكون الأخير، مع الأسف، فهو متكرر بنفس صور الفساد والإهمال، ففي مصر الحكم والحكومة لديها صك براءة مسبقة من أي مسؤولية تجاه الناس، من يقتل لا دية له، من يموت بالإهمال الطبي لا حقوق له، من يموت في المعتقل لا خبر عنه، من يموت سحقا على طرق الإهمال والفساد والعشوائية لا يشغل بالهم أساسا، تخيل أن جنازة ضحايا مأساة الأمس لم يفكر مسؤول واحد أن يحضرها مع فقراء القرية أو أن يطبطب على كتف أب أو أم يعيش هذه اللحظات الحزينة، لأن السادة المسؤولين لا يرغبون في تعكير صفو استمتاعهم بالبحر والماء والهواء.


‏لن يحاكم أحد على فساد الطريق، ولا غياب المرور وعلاماته، ولن يحاكم أحد على عمالة "أطفال" ـ جميع الضحايا بين سن 14 و 17 عاما ـ يمنع القانون تشغيلهم، ولا على استخدام الأطفال كعبيد بمقابل مالي هزيل لا يصل حتى للحد الأدنى للأجور الذي هو نفسه هزيل، وفي الغالب الأعم سيتم عمل تحقيق شكلي في النيابة كالمعتاد، ينتهي بإدانة سائق الشاحنة، ثم تطوى الصفحة تماما، لتصبح نسيا منسيا.


‏لقد وقع الحادث المفجع في أجواء احتفالية يشهدها الإعلام الرسمي والموالي للأجهزة في مصر عن الإنجازات الفخمة الضخمة التي تحققت للشعب المصري "العظيم" بفعل "ثورة" 30 يونيه العظيمه، وكيف أنقذ السيسي والجيش شعب مصر من الفقر والفوضى والفساد والضياع، لكي ينعموا بالرفاهية والحياة "الكريمة" التي يحسدهم عليها شعوب العالم الأخرى !!.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

هاظا أني معاه إن هج بهج , وإن حج بحج . الجمل والحصيني قصة طريفة تحاكي الواقع

حج أم هج ؟ حكاية طريفة جدااا

يقول الشاعر : يداوى فساد اللحم بالملح .. فكيف نداوي الملح إن فسد الملح