حكاية من الضيعة مطبخ بيت جدي
حكاية من الضيعة
مطبخ بيت جدي
كثيرة هي اللحظات الجميلة العالقة في ذاكرتي والتي تستحضرها مخيلتي كلما أصابني الحنين والشوق فمازلت أذكر ذلك المطبخ المعتم في بيت جدي رغم وجود مصباح كهربائي أصفر يتدلى من سقفه العالي وقد كساه بخار الطبخ طبقة سوداء زادت من عتمته وحلكته ..
كان جدي قد أقتطع جزء منه ليحوله الى حمامٍ يستحمون به بعد أن كانوا يستحمون خلف الباب في غرفة الجلوس وذلك بعد إغلاقه ريثما ينتهي المستحم من استحمامه وأذكر أني استحممت به عدة مرات عندما كنت أزور بيت جدي في الصيف ، مرات في طشتٍ معدني عندما كنت صغيراً طري العود ومراتٍ على كرسيٍ خشبي قليل العلو بعد أن كبرت قليلا وخط زغب الشعر قليلا من السواد أمام أذنيّ ..
أما في الركن المجاور للحمام فكان هناك شباك خشبي عتيق يطل على شجرة تين كبيرة كان ملفى لعصافير التين والزكزوك ربطت فيها زوجة خالي توفيقة بقرتها الهولندية ذات البطاقة المعدية المعلقة بإذنها وعجلها الصغير ، لم تكن مفاصل الشباك قوية لتحمل درفتيه بشكل ثابت بل كانت إحدى مفاصلة غير ثابتة في جزئها الجداري وقد هاجرت البراغي الحائط وبقيت عالقة في المفصلة مما جعل تلك الدرفة غير ثابتة تتأرجح عند هبوب النسمات القادمة من أغصان شجرة التين ..
في الركن السفلي القريب من غرفة الجلوس كان هناك دن للزيت بجوار نملية معدنية صدئة فيها الكثير من أكياس المؤونة وعلى رفها السفلي سطل معدني ثقيل فيه لبن وكأنه السمن وقد علته طبقة من القشطة وفي رفها العلوي كيس ابيض من القماش تنبعث منه رائحة الكشك والبطم ، كان لهذا الدن غطاء خشبي له مسكة كبيرة وقد وضع بجوارها مكيال صغير مربوط بإحدى مسكات الدن ، مازلت اذكر رائحة زيت الزيتون المنبعثة من ذلك الدن الذي اشتراه جدي ابو طه من صافيتا منذ زمن طويل ...
في الجهة المقابلة كان هناك المجلى وصنبوره الذي لم يمل يوما من التنقيط ، كان بحاجة فقط إلى جلدة جديدة لم يقم بتبديلها جدي يونس أو خالي طه بل أنتظروا والدي صهرهم عزيز ليبدلها عندما يأتي من حلب ، مازلت اذكر ماذا قال لأمي ممازحا بعد أن قام بتبديل الجلدة المهترئة بجلدة جديدة : (انبسطي صلحنا الجلدة لبت أهلك) لتبادله أمي المزحة بابتسامة قائلة : الله يكتر خيرك ياعزو ..
بجوار المجلى كان هناك طاولة خضراء كبيرة عليها مشمع بهتت أزهاره وزركشاته فوقه قطارميز الزيتون والمكدوس والعيتون واللبنة المدعبلة وحتى الشنكليش كان له قطرميز يتصدر الواجهة وليس كاليوم تخفيه أمهاتنا وكأنه عملة نادرة ..
فوق تلك الطاولة وعلى الجدار كان هناك طبقين من القش حاكتهم يدا جدتي وقد علقت بجانبهم باقة من الزوفا وباقة من الزعتر او كما كنا نطلق عليه زعتر جحيش رغم اننا كنا نجمعه في الصيف ونبيعه لفارس قعيره في صافيتا ليبيعه في حمص وحلب من أجل صناعة الزعتر
لقد أسهبت بالوصف أرجو ان لايكون قد نالكم الملل
تعليقات
إرسال تعليق