الملك وزوجة غلامه ..قصة من التراث الفارسي
حُكِي أن أحد الملوك صعد يومًا إلى أعلى قصره ليتفرج، فوقع بصره على امرأة واقفة على سطح دارٍ مجاورة لقصره، فرآها آيةً في الجمال لم يُرَ مثلها قط. فالتفت إلى إحدى جواريه وقال لها:
ـ «لِمَن هذه المرأة؟»
فقالت: «يا مولاي، هذه زوجة غلامك فيروز.»
فنزل الملك، وقد تمكن حبّها من قلبه وشُغف بها، فاستدعى فيروز، فلما حضر قال له:
ـ «يا فيروز!»
قال: «لبيك يا مولاي.»
قال: «خذ هذا الكتاب واذهب به إلى البلد الفلانية، وائتني بالجواب.»
فأخذ فيروز الكتاب، وتوجه إلى بيته، فوضعه تحت وسادته، وتهيأ للسفر، وبات ليلته في داره. فلما أصبح، ودّع أهله وسار لقضاء حاجة الملك، وهو لا يعلم ما قد دبّره الملك.
أما الملك، فلما خرج فيروز من المدينة، أسرع إلى دار فيروز وطرق الباب طرقًا خفيفًا.
فقالت زوجة فيروز: «من بالباب؟»
قال: «أنا الملك، سيد زوجك.»
ففتحت له وقد عرفته، فقال لها: «جئت زائرًا.»
فقالت: «أعوذ بالله من هذه الزيارة، ولا أظنها تحمل خيرًا.»
قال لها: «ويحك، أما عرفتِني؟ أنا الملك!»
قالت: «بل عرفتك يا مولاي، ولكن قد قالت الأوائل:
أترك ماءكم من غير وردٍ
وذاك لكثرة الوُرّاد فيه
وإذا سقط الذباب على طعام
رفعت يدي ونفسي تشتهيه
وتجتنب الأسود ورود ماءٍ
إذا كان الكلاب ولغن فيه
ويرتجع الكريم خميص بطنٍ
ولا يرضى مساهمة السفيه*
ثم أتبعت ذلك بقولها:
ـ «ما أحسن ما قال الشاعر!»
ثم قالت: «أيها الملك، أتأتي إلى موضعٍ شرب كلبك منه لتشرب؟!»
فاستحيا الملك من كلامها وخرج، ناسيًا نعله في الدار.
---
أما فيروز، فلما ابتعد قليلًا عن المدينة، تذكر الكتاب فلم يجده معه.
فعاد مسرعًا إلى داره، ليأخذه من تحت وسادته، فإذا به يصل بعد لحظات من خروج الملك من البيت، فوجد نعل الملك هناك، فعلم أن الملك لم يرسله إلا ليخلو بزوجته.
لكنه لم يتكلم بكلمة، وأخذ الكتاب وسار إلى حيث أُرسل، فقضى حاجة الملك على وجهها، ثم عاد إليه، فأمر له الملك بمائة دينار.
فانطلق فيروز إلى السوق، واشترى هدية نفيسة تليق بالنساء، ثم عاد إلى داره وقال لزوجته:
ـ «قومي، نذهب إلى زيارة بيت أبيك.»
قالت: «ما الخبر؟»
قال: «لقد أنعم علينا الملك، وأريد أن يراها أهلك.»
فقالت: «حبًّا وكرامة.»
وذهبت إلى بيت أهلها، ومعها ما جاء به زوجها من هدية، ومكثت عندهم شهرًا كاملًا، لم يذكرها زوجها بكلمة، ولم يرسل في طلبها.
فذهب أخوها إلى فيروز، وقال له:
ـ «إما أن تخبرنا بسبب غضبك، وإما أن نحتكم إلى القاضي.»
فقال فيروز: «إن شئتم فاحتكموا، فما تركتُ لها حقًّا.»
فرفعوا أمرهم إلى القضاء.
وكان القاضي يومئذ جالسًا عند الملك.
فقال أخو المرأة:
ـ «أيد الله مولانا القاضي، إنني أجّرت هذا الغلام بستانًا، كان سليم الحيطان، فيه ماء عذب، وأشجاره مثمرة، فدخل وأكل ثمره، وهدم حيطانه، وأفسد مواضع الماء!»
فالتفت القاضي إلى فيروز وقال له:
ـ «ما تقول يا غلام؟»
قال: «أيها القاضي، قد استلمتُ هذا البستان، وسلّمته له أحسن مما كان.»
قال القاضي: «فهل ردّه إليك كما استلمه؟»
قال: «نعم.»
قال القاضي: «فما سبب ردّه؟»
قال فيروز:
ـ «والله، ما رددتُ البستان كراهة فيه، ولكنني جئت يومًا فوجدت فيه أثر الأسد، فخفت أن يغتالني، فحرمتُ دخول البستان إكرامًا للأسد.»
وكان الملك متكئًا، فلما سمع هذا، اعتدل في جلسته، وقال:
ـ «ارجع أيها البستاني إلى بستانك آمنًا مطمئنًا، فوالله إن الأسد قد دخل البستان ولم يؤثر فيه شيئًا، لا ورقة ولا غصنًا، ولم يلبث فيه إلا لحظة ثم خرج.
وما رأيت مثل بستانك، ولا أشد حيطانًا حفظًا لشجره.»
فرجع فيروز إلى داره، وردّ زوجته إليه، ولم يعلم القاضي ولا أحد بما كان من أمر الملك.
المصدر: 📚
كتاب المستطرف في كل فن مستظرف. 📖
تعليقات
إرسال تعليق