قصص من التاريخ . ...قصة إيونيس ليست مجرد قصة علم، بل قصة قلبٍ أحب المعرفة،

 .



في عام 1856، وبين جدران مختبر بسيط في أحد منازل نيويورك، وقفت امرأة تُدعى إيونيس فوت Eunice Foote، تمسك بأنبوب زجاجي بين يديها، تتأمله بفضول وعزيمة. لم تكن عالمة مشهورة، ولم تنل تعليمًا أكاديميًا رسميًا، لكنها كانت تملك شيئًا أقوى: شغفًا بالعلم، وإيمانًا بأن عقلها لا يقل عن أي رجل في ذلك الزمان.


في وقتٍ كانت النساء فيه محرومات من أبسط حقوق المشاركة في المؤتمرات العلمية، كانت إيونيس تخوض تجارب رائدة، مستخدمة أدوات منزلية ومصابيح شمسية بدائية. ملأت أنابيب زجاجية بأنواع مختلفة من الغازات، من بينها ثاني أكسيد الكربون (CO₂)، ثم عرضتها لأشعة الشمس. ولاحظت شيئًا غيّر كل شيء:


"الأنبوب المملوء بالكربون احتفظ بالحرارة لفترة أطول... كأن هذا الغاز يحتجز دفء الشمس داخله!"


كتبت إيونيس نتائجها، ووضعتها في ورقة علمية بعنوان:

"الظروف التي تؤثر على حرارة أشعة الشمس"

وأرسلت ورقتها العلمية إلى اجتماع الجمعية الأمريكية للنهوض بالعلوم (AAAS)، لكنها لم تُسمح لها بالحديث باسم نفسها، لأن المجتمع لم يكن يرى في النساء أهلًا للعلم.

فقرأ ورقتها رجل آخر نيابة عنها... وساد الصمت. لم يهتم أحد. لم يُنشر اسمها في الصحف. لم يُحتفَ باكتشافها.


ثم... في عام 1859، بعد ثلاث سنوات فقط، قام العالم البريطاني جون تيندال John Tyndall بتجارب مشابهة، ولكن باستخدام أدوات أكثر دقة. نُشرت أبحاثه في مجلات علمية، وحصل على المجد، وأُطلق عليه لاحقًا:


"أبو الاحتباس الحراري"


أما إيونيس؟ فدخلت في طيّ النسيان. ما*تت وهي لا تدري أن ما كتبته بيديها، في منزلها البسيط، كان أول ضوء في نفق طويل اسمه أزمة المناخ.


مرت أكثر من مئة وخمسين سنة... قبل أن يُعيد التاريخ قراءة أوراقها القديمة في عام 2010، ويهمس العالم أخيرًا باسمها:

"إيونيس فوت... المرأة التي سبقت زمانها، ودفنتها أعرافه."


قصة إيونيس ليست مجرد قصة علم، بل قصة قلبٍ أحب المعرفة،

 وصوتٍ خُنق لأنه أنثوي، وعبقريةٍ خافت أن تُعلن عن نفسها في زمن لم يُنصف النساء.


ولا تزال الأرض اليوم تسخن، كما توقعت إيونيس قبل قرنين...

لكن كم من العقول تم دفنها، لأن العالم لم يكن مستعدًا ليستمع!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

هاظا أني معاه إن هج بهج , وإن حج بحج . الجمل والحصيني قصة طريفة تحاكي الواقع

حج أم هج ؟ حكاية طريفة جدااا

يقول الشاعر : يداوى فساد اللحم بالملح .. فكيف نداوي الملح إن فسد الملح