إنها ليست مجرّد قصة وفاء، بل رسالة إنسانية بليغة… قصة تقول لنا إن المعروف لا يضيع، وإن قلبًا صغيرًا قد يتذكّر يومًا من أنقذه بدفء حضن

 



حين كان رضيعًا في ساحل العاج، لم يعرف بيير دوبون من العالم سوى ذراعي امرأة واحدة، احتوته بحنانها ودفئها: مربيته “عائشة”. لم تكن مجرّد خادمة، بل كانت بمثابة أمٍّ ثانية، تطعمه، تهدهده، وتحمله كلما بكى، تغمره بحب لا يُنسى.


لكن الأقدار فرّقتهما باكرًا. غادرت عائلة بيير إلى فرنسا، وانقطعت أخبار عائشة تمامًا. مضت السنوات، كبر بيير، درس، وواصل حياته، لكن شيئًا بداخله بقي هناك… في حضن تلك المرأة الطيّبة ذات الابتسامة الحنون والعينين المملوءتين حبًّا.


لم يكن يعرف أين صارت، ولا إن كانت ما تزال على قيد الحياة، لكن الشوق والامتنان دفعاه إلى بدء رحلة بحث طويلة وشاقة. العناوين ضاعت، والوجوه غابت، والأماكن تبدّلت، لكنه لم يتوقف. وبعد سنوات من السعي، قادته رحلته إلى إحدى ضواحي داكار في السنغال… وهناك وجدها.


نعم، وجد عائشة.


كبرت قليلًا، وبدا عليها أثر الزمن، لكنها بقيت كما عرفها، بروحها نفسها. ما إن التقت عيناها بعينيه حتى اغرورقت دموعها، واحتضنته كما كانت تفعل وهو طفل… وكأن الزمن لم يمر.


كان اللقاء مؤثرًا، تغلفه الدموع والضحكات، وتفيض فيه مشاعر لا تسعها الكلمات. لم يأتِ بيير خالي الوفاض، بل حمل معه عربون وفاء: قدّم لها 16 ألف دولار، ورتّب لها معاشًا شهريًا يعينها على عيش كريم، ويمنحها فرصة لتحقيق أحلامها المؤجّلة. واليوم، تخطط عائشة لترميم بيتها البسيط، وتأمين تعليم جيد لأحفادها… لتزهر أحلام الأمس في جيل الغد.


إنها ليست مجرّد قصة وفاء، بل رسالة إنسانية بليغة… 

عن الحنان الذي يترك أثرًا لا يزول، عن القلوب التي تحفظ الجميل، وعن الأرواح التي تربينا بمحبتها، حتى إن لم تكن من دمنا. 

قصة تقول لنا إن المعروف لا يضيع، وإن قلبًا صغيرًا قد يتذكّر يومًا من أنقذه بدفء حضن


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

هاظا أني معاه إن هج بهج , وإن حج بحج . الجمل والحصيني قصة طريفة تحاكي الواقع

حج أم هج ؟ حكاية طريفة جدااا

يقول الشاعر : يداوى فساد اللحم بالملح .. فكيف نداوي الملح إن فسد الملح